أيها القارئ العزيز،
مرحبا بك في
تدوينة جديدة لمدوتنا –المحترمة- نتحدث فيها عن أحوال المثقف الغيني بين الأمس
واليوم. وإذا تذكّرت معي أيها الزائر الكريم، سبق لي وأن وعدت في صفحتي الرئيسية
للمدونة ما يلي:
" هنا -أي
المدونة-، أدوّن، وأخبر، وأصرّح بإضافة الإستطيقا".
واليوم، جاء الدور للتطرق إلى ذلكم الوعد
لنكشف عن جزء يسير من المسكوت عنه في المجتمع الغيني. وعنواننا المشار إليه أعلاه مقتبس من كتاب المفكر المغربي "محمد عابد
الجابري" المعنون بـ "نقد العقل العربي"، حيث حاول فيه الكاتب أن
ينتقد إخوانه العرب في طريقة تفكيرهم، وطريقة تعاملهم مع تراثهم الفلسفي... إلى أن
اقترح لهم "قراءة جديدة" للتعامل مع التراث العربي الفلسفي…
وهنا، سأحاول القيام بنفس الأمر من زاوية
مختلفة وفي خاطرة بسيطة-إن شاء الله- لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. وبه أقول:
لا يزال المجتمع الغيني
ينظر إلى المستعرب نظرة دونية وهامشية، ويعتبره فضلة لا يقيم صلب الدولة ، أو
زارعا لا تثمر أشجاره إلا في الساحات الدينية ؛ ولهذا حرموا من المناصب العليا في
الحكومة ، علما بأن منهم من اتصل بالعلوم التجريبية اتصالا مباشرا ، وصارت لهم
اليد الطول في شتى المجالات العلمية والثقافية.
ففي هذه الآونة الأخيرة، أعطى بعض مثقّفي الدولة باللسان العربي صورة بارزة، ونماذج متميزة يحتذي بها المستعرب الغيني، من إحياء الأنشطة العلمية والثقافية، والمقاربات
الإيديولوجية...
نذكر منهم –على سبيل المثال
لا الحصر-، الأستاذ الدكتور "عمران كبا"، من خلال كتاباته ومحاضراته القيمة،
والناشط الثقافي "عباس جباتي"، من تنظيمه للدورات التكوينية والورشات
العلمية لفائدة المدارس الفرنسية العربية في غينيا، وكذا ما يقوم به الناشط الثقافي مختار جالو، في سبيل ترقية التعليم العربي في غينيا، وهو بارز في وسائل الإعلام
الغينية ببرامجه...
ومع ما يقوم به أولئك من
مبادرات جبارة، إلا أن الشجرة لم تثمر –بعد-
ولم يبلغ الماء القلتين، لأن الواقع الغيني لم يستطع لحدّ الآن أن يتعقلم مع المثقفين
باللسان العربي ، وذلك من كل المستويات بما فيها السياسية والمناحي العلمية
والاجتماعية...
خمسون عاما والمستعرب
الغيني لم تتجاوز مهامه إدارة "الأمانة العامة للشؤون الدينية"، إلا مؤخرا تم تنصيب الدكتور "قطب مصطفى
سانو" وزيرا للتعاون الدولي. خمسون عاما، والحرف العربي في تراجع وتقوقع مؤسف
في الدولة...
قديما، كانت للقناة الرسمية
RTG منارة خاصة باللغة العربية،
واليوم أصبحت - هذه الأخيرة -تابعة لجريدة "أخبار غينيا" بعد أن كانت
مستقلة.
ولما اعترفت الدولة
بالتعليم العربي، أعطت له قيمة مضافة في المجتمع، وصار للمتفوقين في الثانويات
العربية قسطا من المنح الدراسية إلى الخارج –المغرب والجزائر-...
ومؤخرا، ألغت الحكومة هذه
الفرصة النادرة التي كانت تجر الناس تجاه المدارس العربية طمعا للفوز بها ؛ بدعوى
لا تقوم عليها حجة ، ولا يسع المقام بعرضها .
والسؤال الذي يفرض نفسه في
هذه الصفحات، لماذا التهميش والجمود الفكري
تجاه المستعرب الغيني ؟
بعد التأمل الشديد في الواقع
الغيني بكل مستوياته، تنيّن لي-والله أعلم- أن السرّ الجوهري في هذا الجمود الفكري
تجاه المستعرب الغيني، لا يكاد يخرج عن قاعدة " يداك أوكتا وفوك نفخ "
وحتى لا يكون الشرح أغمض من النص ، تعال
معي لنكشف الغطاء عن ذلك السر.
برأيي ، إن السبب الرئيسي لهذه
المعاملة عائد إلى المستعرب نفسه. كيف ذلك؟
وقبل أن تتسائل دعني أأكد لك ذلك بكل إيمان ، - وأرجو أن تتحملني -
لا يزال المستعرب الغيني
متخلفا في أفكاره وتأملاته ، أي متأثرا
بالأحداث التاريخية بين القبائل... فهذا ما جعلت توجهاته وآفاقه محدودة لا
تمت بأدنى صلة بثقافتة العربية، وإنما هي في منفعة خاصة لبني جلدته، فلا يكاد
يتعاون إلا مع من يستظل معة تحت مظلة واحدة .
قد يبدوا ذلك غريبا لقارئنا
العزيز، لكنه الواقع الأليم الذي يعيشه المستعرب الغيني على العموم، وهو أمر
يؤسفني جدا، وخصوصا حينما أرى إخواننا المتفرنسيين قد تجاوزوا هذا المستوى من التخلف
التفكيري، فهم اليوم في سبيل التعاون والتداول والتبادل العلمي في القضايا الراهنة
للدولة، وبشتى الوسائل ، عبر مواقع إلكترونية المخصصة في مناقشة القضايا الغينية بكل
إنصاف وموضوعية، واضعين الأمور القبلية تحت وسادتهم...
وهم-للأسف- من سيتحكمون
علينا في المستقبل القريب بأفكار مصدرة من الغرب- إلا من رحم الله منهم-، فتأثر
بالثقافة الدينية المحلية ليترك له أثرا إيجابيا في سلوكاته.
والآن، ما العمل؟
من هنا وبعد قراءة هذه الأسطر
المتواضعة ، لا بد أن يستشكل أخي القارئ "ماالعمل"؟ و"كيف يمكن
إدماج المستعرب الغيني بصورة أكثر فعالية"؟... للخروج من تلكم البرمجة
السابقة من التفكير السلبي تجاهه؟
هي أسئلة في الحقيقة، تتطلب
ورقة ندوة أو بحث أكاديمي للإجابة عنها بشكل مفصّل ومدقّق تؤتي أكلها للمعني به.
وهنا سأكتفي بطرح هذا الاقتراح،
ألا وهو ضرورة توحيد الرؤية التربوية بين المدارس والمؤسسات العلمية (ذات الصبغة
العربية) في توجّهاتها الفكرية بناء على المرجعية العلمية النافعة للدولة...
لتفكّر في المستقبل القريب عن أهم الوظائف التي يمكن أن يباشرها المثقف الغيني
باللسان العربي، والتي لا تعد ولا تحصى سنقف عندها في منشوراتنا القادمة إن شاء
الله.
إلى هنا أقف معك أخي العزيز
في هذه الخاطرة التي أرقتني ، فكاد لا مفر من إطلاق العنان لقلمي ليتجول في بستانه
، لعلي أوقظ بها همم المعنيين به، ووصيتي
للناس " أن يتأفرقوا ولا يتعصبوا".
وشكرا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire