A propos

dimanche 8 septembre 2013

في الذاكرة: حكايات مع ورقة علمية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد/

إني محدثكم اليوم بذاكرة مرّت في حياتي العلمية، استحقت مني هذه الأسطر المتواضعة، أقصد بذلك الحديث عن مشااااركتي الأولى في ندوة علمية جمعتني مع نخبة من الباحثين في طاولة علمية، أمام جمهور كبير من المستمعين، جاؤا شوقا لمشاهدتي وأنا أقدم ورقتي العلمية.
بالنسبة لي، لم تكن المناسبة غريبة بالمرّة، لكن الغالب من جمهوري كان مشتاقا إلى سماعي وأنا أقدّم ورقتي أو أرد على أسئلة المستشكلين وبأسلوب المحاضر المتخصص...

لم تكن الفرصة تلك، غربية لي بالبتة، لأني أعددت لها ما يلزم، وأخذت كل وقتي لها، وبذلت كل جهدي في نجاحها، وطرقت كل أبواب المساعدين لها... لتكون كلمة في العمق، وورقة في المستوى... فجاءت -والحمد لله- كما ينبغي. إذ، تبيّن لي نجاحها في في كثرة الاستشكالات حولها...

لكن كيف وقع الاختيار على هذا الموضوع؟ 
كان العنوان الرئيسي لهذه الندوة عن "الدراسات الاستشراقية للعلوم الإسلامية بين الواقع والتنظير"، فتح من خلاله أبواب الترشيح لكل الباحثين. وبدوري فكّرت في المشاركة ثم ترددت، ثم فكرت ثانية فترددت، وهكذا إلى أن شجّعني الباحث الموريتاني محمد المحجوب ولد أسلم، للمشاركة بموضوع ميداني بعد أن تحقق له قدرتي لتقديم شيئ جديد في هذه الندوة، قبلت الفكرة ثم تقرّبت إليه فقال لي: "إن موضوع الاستشراق الإفريقاني لم يبحث فيه كثيرا، فسارع للخوض فيه، قد تجد ما تقدمه...". أيوا، باااادرت ودخلت في المغامرة إلى أن مررت بمراحل الباحث...

بعد القراءة والبحث والتنقيب، وقع الإختيار على هذا الموضوع الميداني "الاستشراق الإفريقاني والتراث الإسلامي في الغرب الإفريقي". قدّمت له تقريرا مفصلا، فاستغربت اللجنة العلمية بموضوعي، لكنها أعجبت بتقريري، فقبلته على أساس الاستكشاف بما جرى في القارة السمرا من الدراسات الاستشراقية...


قضيت في إعداد ورقتي هذه لما يزيد عن سبعة أشهر وأنا أجري مع هذا الموضوع المتشعب، فكان معي حيثما كنت، في حضري وسفري، وفي نومي ويقظتي، أفكر فيه بل وأحلم عنه أحيانا... جاءني صعبا، لكن العزيمة لم تفارقني، وإن كانت المدّة محددة، والضغوطات متراكمة...


ورقتي هذه، لا أفتخر بها، وإنما أعتز بها لتأريخيها ولتوفيقها.
في اليوم الموعود جلست أمام الملأ وأنا جاهز لكل ما سيأتي من الاستفسارات والاشكالات. قدّمتها في حدود ربع ساعة ولم يوقفني رئيس الجلسة، أحفظ منه هذه الجملة: "لقد كنت كالمعتاد- في الفصل". وأذكر يومها، وخلال أسئلة الجمهور، سائل استغرب فقال ما نصّه: "في الحقيقة، لا أحد من المتدخلين جاء بجديد". لكنني وبكل ثقة عن موضوعي قلت له: "لا يا أخي، بل الاستشراق الإفريقاني من المواضيع الجديدة في المجال التداول العربي" فوافقني الجمهور بل وحتى المشرف العام على البحوث...

أستسمح على الإطالة، فالقصة طويلة، والوقت ضيّق، لكني سأضع هنا ملخص البحث ليبقى ذلك في ذاكرة الذهب -إن شاء الله-.


 الاستشراق  الإفريقاني والتراث الإسلامي في الغرب الإفريقي
         
المقدمة
لقد فوجئ المستعمر الفرنسي عند ما حلّ بجيوشه في الغرب الإفريقي بتجذر الهوية الإسلامية وغنى الثقافة المحلية حيث وجد أمامه المدارس العلمية التي تعج بالطلبة والمكتبات والخزائن التي تزخر بذخائر المخطوطات ونفائس المؤلفات من إنتاج أبناء المنطقة، فانتدب لدراسة هذا التراث جلة من الباحثين يبعثهم أحيانا حبّ العلم وأحيانا أخرى القصد إلى تيسير مهمة الاستعمار. فحققوا البعض ودرسوا الآخر معتمدين في مناهجهم في الغالب نفس الآليات والمفاهيم المعهودة لدى إخوانهم ممن كانوا يعنون بالبلدان الإسلامية الأخرى، وهكذا نشأت في بداية القرن العشرين مدرسة استشراقية إفريقانية لها خصائصها ومميزاتها، خلفت تراثا علميا معتبرا له ما له وعليه ما عليه.

غير أن المتتبع للدراسات الإفريقية يجد أن الاستشراق الافريقاني لما يحظ في المجال التداولي العربي بالعناية الكافية من الدراسة الهادفة إلى التنقيب عن جذوره والكشف عن مقاصده و خلفياته المعرفية. لذا، تأتي مشاركتي في هذه الورقة مخصوصة بالتعريف بهذا الاستشراق الإفريقاني مركزا على تعامله مع التراث الإسلامي بمنطقة غرب إفريقيا.

مدخل:
عندما يطلق الاستشراق، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن السامع أن المقصود به هو ذلك الحقل المعرفي الذي نشأ في الغرب لدراسة الثقافات الشرقية.
وغالبا ما يعرف المستشرقون، أنهم جماعة من المؤرخين والكتاب الغربيين الذين عنوا بدراسة المواضيع التراثية والتاريخية والدينية والاجتماعية لحضارة الشرق.
ولكننا نتساءل، هل يمكن اعتبارمنطقة غرب إفريقيا أنها داخل في ذالكم الحقل المعرفي الذي أخذ اهتمام المستشرقين؟
وللإجابة على هذا السؤال، يجدر بنا تحديد المقصود بالشرق الذي اشتق منه مصطلح الاستشراق، أهو الشرق الجغرافي أم الشرق الحضاري؟

بالعودة إلى الاعتبار التاريخي، يمكن القول أن الأصل في استخدام الشرق، إنما هو المعنى الجغرافي، وهو ما يتجلى في الاستخدام الجيوستراتيجي، حيث ينقسم الشرق إلى شرق أقصى، وشرق أوسط، وشرق أدنى.

بهذا الاعتبار الجغرافي، لا يمكن أن يكون الغرب الإفريقي داخلا في معنى الشرق، ولكن ليس وحده المعني به، بل يخرج حتى الغرب الإسلامي بصفة عامة. وعليه، لا يصح تسمية الباحثين الغربيين في المغرب والجزائر الخ مستشرقين بالاعتبار الجغرافي.

أما إذا لاحظنا أنه مع ازدهار الحضارة الإسلامية، أصبح الشرق مرادفا للإسلام، بحيث يشمل الشرق: كل المناطق الآسيوية والافريقية، بل وحتى الأوروبية التي اتسعت فيها الحضارة الإسلامية، كالبلقان...
إن صح هذا الإدعاء، فيمكن الحديث عن استشراق إفريقاني، وأن الغرب الإفريقي داخل في الحقل المعرفي الذي أخذ اهتمام المستشرقين، وذلك بالاعتبار الحضاري الذي يجمع منطقة غرب إفريقيا بالبلاد الإسلامية الأخرى التي عنيت بالدراسات الاستشراقية.

ومن هذا المنطلق قد نستشكل: "هل لإفريقيا حضارة إسلامية يمكن أن تكون موضوع دراسة للمستشرقين"؟
يسود الاعتقاد لدى كثير من المثقفين العرب، والباحثين في الغرب، أن الغرب الإفريقي رغم تجذر الهوية الإسلامية فيه، إنما هي منطقة هامشية لم تعرف أية حضارة إسلامية يمكن أن تؤهلها لأن تكون موضوعا للبحث والدراسة، وهذا الاعتقاد الخاطئ كان غالبا على الوعي العربي الإسلامي، لم يستطع حتى أحمد بابا التنبكتي أن يطمسه بكتابه "نيل الإبتهاج"، ولا محمد بيلو بكتابه "إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور"...  ثم كرسته  المدرسة الاستشراقية فاعتبرت أن لا شئ ثمة يستحق الذكر !

هكذا فهمت الثقافة الإسلامية في غرب إفريقيا أول الأمر، مع أن ذلكم التراث الإسلامي حاضر للعيان، بدأ اليوم يفرض نفسه الاعتراف به لما قامت بعض الجهات المتطرفة بالجناية على جزء منه في مكتبات تمبكتو التي اختيرت عاصمة للثقافة الإسلامية وفقا لما قررته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إسيسكوا) للعام 2006م، والتي فيها مئات الألوف من المخطوطات سطرها الأقدمون في مختلف فروع المعارف الإنسانية معظمها باللغة العربية والبعض الآخر باللغات المحلية، كلها من إنتاج العقول والمواهب الافريقية الذي يعتبر إسهاما أصيلا إلى الميراث العربي الإسلامي.


خاتمة البحث:
هكذا نرى أن الاستشراق كمنهج وكدراسات أوروبية للمجتمعات الشرقية شملت كذلك الغرب الإفريقي، فاعتنت بدراسة التراث الإسلامي والثقافة الإسلامية السائدة فيه، وكان لها الفضل-إلى حد ما-  لدراسته ولتحقيقه والتنويه به واستنقاظ البعض منه من التلف.

وكذلك سعى المستشرقون الافريقانيون إلى بلورة مفهوم الإسلام الأسود الذي يعني وجود إسلام خاص في المنطقة، منقطع عن الإسلام في البلاد الإسلامية الأخرى، وهذا كان الغالب في كتاباتهم وتوجهاتهم، إلا أن هذه النظرة بدأت تتقلص بعد الزمان مع الإستقلال ومع النقد الذي وجهه إليها بعض الباحثين الكبار والمستشرقين المعاصرين أمثال فين سان مونتين.

بعد هذه الجولة السريعة، يمكن الاعترف بعظم الجهود التي بذلها أولئك الباحثون من أمثال هوداس، ودولافوس، وكادين، ومونتي، وباسي، وإسماعيل حمد... في التعريف بالمنطقة والعناية بتراثها الإسلامي.  

لا أتمنى إغلاق هذه الصفحة من الذاكرة العلمية، دون كلمة شكر وامتنان لكل من ساهم من قريب أو بعيد في نجاح ورقتي، وعلى رأسهم الطالب الباحث محمد المحجوب صاحب الفكرة، ومراجع الورقة، ومنشّط الكاتب... كان مشرفا  عليها بمعنى الكلمة، قدّم كل أفكاره وتوجيهاته لتكون الورقة مميّزة... فجاءت كما أراد حتى إنه شكرني على حسن التقديم. فله مني جزيل الشكر والامتنان...
ثم أذكر الأستاذ الدكتور/ الحسن كوناتي جالسته مرّتين لإعادة  صياغة البحث فأبدع فيه بأسلوب رائع... جزاه الله عني كل خير...




إعداد الطالب الباحث/محمد تفسير بالدي
الرباط/المغرب
1434ه/2013م



[1] منطقتي السينغال وغامبيا
[2] وهي عبارة عن مكاتب المستعمر في هذه البلدان
[3] JEAN-LOUIS TRIAUD, page : 915
[4] JEAN-LOUIS TRIAUD, Page : 914
[5] JEAN-LOUIS TRIAUD, page : 920
[6] JEAN-LOUIS TRIAUD, page : 922
[7] JEAN-LOUIS TRIAUD, L'islam au sud du Sahara, page: 14
[8] JEAN-LOUIS TRIAUD, L’islam au sud du Sahara, page : 22

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire