بتاريخ 26 سبتمبر 2014، ناقش الباحث
السنغالي هارون باه أطروحته التي تقدّم بها للحصول على درجة الدكتوراه في
القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس الرباط، تحت إشراف الأستاذ
الدكتور/ المصطفى منار، بعنوان: الدين والدولة في أفريقيا ـ السنغال،
المغرب ،نيجيريا ،السودان ـ دراسة في
العقد الاجتماعي.
ونوقشت الأطروحة بمقر
كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية ـ سلا ؛ الساعة العاشرة صباحا إلى الثانية عشر زوالا أمام
اللجنة المكونة من السادة الأساتذة:
الدكتورة/ لبابة عاشور: رئيسة.
الدكتور/ المصطفى منار: مشرفا وعضوا.
الدكتور/ سعيد الحسن: عضوا.
الدكتور/ عادل مساوي: عضوا.
الدكتور/ نجيب الحجيوي: عضوا.
وتم قبول الأطروحة بميزة/
مشرّف جدا.
في كلمته في المناسبة، أثنى الأستاذ المشرف الدكتور المصطفى منار
على الباحث السنغالي على "كفاءته العلمية، وأخلاقه الإنسانية..."،
معتبرا في السياق نفسه الأطروحة التي تقدم بها الباحث "من الكتابات التي يمكن
الاستعانة بها في الكتابة الوطنية والجامعية". وأن الباحث قد خاض في موضوع
"عميق جد"، إذ تحدّث عن الخطاب العلماني، وحاول أن يقارب صراع القيم
بالهوية في إطار علم السياسة...
وتقدم الدكتور سعيد حسن "برسالة اعتزاز
ومحبة للباحث هارون باه، لمناقبيته العالية، وخلقه، وهدوءه، لاهتماماته العلمية،
ولتربيته...". ومن جانبه قال الدكتور عادل
موساوي متحدثا عن الأطروحة: "هذا البحث يكتسي أهمية قصوى، سيما وأنه يتصدى
لإشكالية مهمة استأثرت بمهمة الباحثين في مجال الدراسات الأفريقية، ويتعلق الأمر
بعلاقة الدين بالدولة في المجتمعات الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة..." وزاد
قائلا: "مما يميّز الأطروحة، أنها تناولت مجموعة من نماذج داخل القارة الأفريقية
(الحالة السنغالية، والحالة المغربية، والحالة النيجرية، والحالة السودانية".
وبهذه المناسبة، حاولت مقابلة
الباحث للحديث عن بعض القضايا المتعلقة بأطروحته، وأجريت معه المقابلة التالية [فتم نشرها في موقع مجمع الأفارقة على هذا الرابط]:
محمد تفسير بالدي
[م. تفسير]: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية، أرحبّ بكم في "مجمع
الأفارقة"، الموقع المتخصص في الشؤون الأفريقية بكل أبعادها (السياسية،
والأكاديمية، والاجتماعية، والدينية، والثقافية...)، نحاول من خلاله رصد كل ما له
علاقة بالدراسات الأفريقية عبر العالم. ونشكركم على قبول دعوتنا للتحدث إلينا في
منبر "الأفارقة". قبل البداية، نودّ التعرّف إليكم، من هو هاورن باه؟
الدكتور هارون باه [د.
هارون باه]: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وبارك على النبي الكريم،
وبعد:
أشكركم جزيل الشكر على اعتنائكم واهتمامكم بهذه
القارة التي تجمعنا جميعا. هذه القارة التي ينبغي أن نجعل من همّها همّنا، ومن
أمرها أمرنا، لأننا في نهاية المطاف نحن المسؤولون عنها أولا وأخيرا، وأحيّي
بادرتكم الطيبة والمباركة، والتي سمّيتموها "مجمع الأفارقة"،
وأرجو أن يلتئم جمع الأفارقة عبرها حتى ينهضوا لإنقاذ قارتهم من التخلف الذي تعيشه
منذ سنين.
وفيما يخص التعريف بنفسي، فأنا سنغالي الجنسية كبرت
وترعرعت بأرض شنقيط، أشتغل في مجال البحث العلمي.
[م. تفسير]: وماذا عن مسيرتكم العلمية؟ كيف
انتقلتم من العلوم الشرعية إلى العلوم السياسية؟ وما هي أهم المراحل التي مررتم
بها في مسيرتكم العلمية؟
[د. هارون باه]: ابتدأت دراستي بموريتانيا
حيث كان الوالد يقيم بها، وينبغي هنا أن أعترف بفضل موريتانيا علي، ففضلها عليّ
عظيم، ابتدأت الدراسة في "المحاضر"، ثم التحقت بالمدارس النظامية في المرحلة
الابتدائية، وبعد أحداث 1989،
عدنا إلى البلاد (السنغال) فالتحقت بإحدى المدارس الأهلية التابعة لجماعة عباد
الرحمن، وبعد ثلاث سنوات بها شددت الرحال إلى موريتانيا من جديد و التحقت بالمعهد
السعودي، وكان هذا المعهد عبارة عن كلية للشريعة تابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية بالرياض. لكن المعهد أغلق قبل حصولي على شهادة الباكلوريوس، وقبلها كنت حاصلا على شهادة الباركلوريا
النظامية من ثانوية العروة الوثقى بانواكشوط، وبها سجلت بكلية الحقوق بالعاصمة
الموريتانية، وتخرّجت من شعبة العلاقات الدولية. وقدمت للمغرب لمواصلة الدراسات
العليا في القانون العام والعلاقات الدولية، و لدى وصولي التحقت بوحدة
"الدبلوماسية المغربية"، وناقشت فيها رسالتي دبلوم الدراسات العليا
المعمقة بكلية الحقوق بسلا تحت عنوان: "دول غرب إفريقيا في ميزان الجيوبوليتيك"،
و بعدها سجّلت في سلك الدكتوراه مسلك القانون العام والعلوم السياسية أطروحة
بعنوان "الدين والدولة في أفريقيا" بنفس الكلية.
[م. تفسير]: في عددها الثامن عشر الصادر بتاريخ/ شوال - ذو الحجة 1434ه
، أكتوبر - ديسمبر 2013 م لمجلة قراءات أفريقية، قرأنا لكم دراسة ميدانية بعنوان: "إشكالية
اللغة في أفريقيا... ترميم ذاكرة". وهل تكتبون في مجلات أخرى؟ إن كان
نعم، ما هي أهم المقالات التي نشرتموها؟ وهل أنتم على علاقة ببعض المجلات المتخصصة؟
[د. هارون باه]: المقال الذي أشرتم إليه،
نشر لي أول مرة في مجلة "آفاق أفريقية"، ونشر مرة أخرى في مجلة
"قراءات أفريقية "، وصدر لي
مقال آخر بعنوان: "الحركة الإسلامية ..الصعود والتحدي" في مجلة "وقائع
دستورية وسياسية المغربية"، ولدي وعد بنشر مقال جديد بعنوان: "حركة
التدين في السنغال" بمجلة "قراءات أفريقية"، وبحول الله سيصدر لي
مقال آخر بعنوان: "تداعيات الثورات العربية على الحراك السنغالي".
[م. تفسير]: ماذا أحسستم به وأنتم تعدون رسائلكم
الجامعية؟ وماذا احتفظتم به بين مرحلة "دول غرب أفريقيا في ميزان
الجيوبوليتيك..." وأطروحة "الدين والدولة في أفريقيا"؟ أي ما بين
مرحلة إعداد الماجستير والدكتوراه.
[د. هارون باه]: يبدوا أنني من خلال دراستي
العليا بالمغرب، اكتشفت أفريقيتي بالمعنى الأكاديمي في تكامل تام مع النسيج
الحضاري الإسلامي المتعدد الشعوب الذي أشارك فيه الانتماء غيري من أبناء ملتي، ووجدت نفسي مهموما بالقضايا
الأفريقية أكثر فأكثر. وفي المغرب يشعر المرء بانسجام كبير بالانتماءات المتعددة المتكاملة؛
وذلك لتميز موقع المغرب الجغرافي، من بعد أفريقي، وانتماء عربي و إسلامي، وبقضايا
وهموم العالم الثالث وبالآخر أيضا، ففي المغرب تتناغم كل تلك الأبعاد الهويّاتية.
يبدوا أنني من خلال دراستي العليا بالمغرب، اكتشفت أفريقيتي بالمعنى الأكاديمي في تكامل تام مع النسيج الحضاري الإسلامي المتعدد الشعوب الذي أشارك فيه الانتماء غيري من أبناء ملتي، ووجدت نفسي مهموما بالقضايا الأفريقية أكثر فأكثر
[م. تفسير]: لنعد إلى الأطروحة، كيف جاءتكم
فكرة "الدين والدولة في أفريقيا"؟
[د. هارون باه]: لا شك أن كل من يطلع
على القارة الأفريقية، ويسمع عنها ويرى معاناة أهلها، سيفكّر –لا محالة- في كيفية
الخروج من هذا المأزق. فهكذا وجدت نفسي مشغولا بقضايا القارة ونهضتها، فموضوع
"الدين والدولة" و إن كان يحمل طابعا علميا و فكريا إلا أنه من صميم مداخل
النهضة والتنمية كذلك. لأن الإجابة على إشكالية علاقة المعتقد بالممارسة السياسية
وتجلية الروابط بينهما بشكل واضح كفيل أن ينقلنا من طور التخلف إلى طور النهضة،
وبالتالي فالبحث يحاول أن يقدم مقاربة لحل مشكلات القارة من خلال نماذجنا المختارة،
ثم إن الجمع بين الدين والدولة في الأطروحة إنما هو تتويج للمسار العلمي الذي بدأته
سابقا (العلوم الشرعية). ومن هنا اشتغلت
على هذا الموضوع الذي يحاول أن يسبر أغوار هذه العلاقة أي الدين بالدولة في
أبعادها المتعددة وقوفا عند ما يقدمه الدين للفاعل السياسي وصانع القرار من فرص
للإقلاع بأوضاعنا المزرية.
موضوع "الدين والدولة" و إن كان يحمل طابعا علميا و فكريا إلا أنه من صميم مداخل النهضة والتنمية كذلك. لأن الإجابة على إشكالية علاقة المعتقد بالممارسة السياسية وتجلية الروابط بينهما بشكل واضح كفيل أن ينقلنا من طور التخلف إلى طور النهضة
[م. تفسير]: ما هي مبررات اختيار الدول
الأربعة (السنغال- المغرب – نيجيريا –السودان) دون غيرها من الدول الأفريقية ؟
[د. هارون باه]: شكلت هذه الدول منذ
عهد قديم منطقة حضارية واحدة إلا أن الاستعمار فتّتها وجزّءها، ومن الطبيعي عندما
نناقش شؤون الدائرة الحضارية الإسلامية الإفريقية
من منطلق سياسي أن ننطلق منها كوحدة جغرافية، ثم إني أتحدث عن الدين والدولة في
أفريقيا، ومعروف أن أفريقيا يزيد تعداد دولها على الخمسين دولة، و من المهم هنا أن
يختار الباحث بعضا من النماذج كحالة
دراسة، وفيما يخص أطروحتي، هناك دولتين مستعمرتين بريطانيتين (السودان ونيجيريا)، و
دولتين فرنكوفونيتين (السنغال والمغرب). وأعتقد أن تسليط الضوء على هذه الدول
الأربعة في الفضاء الأفريقي، يعطينا صورة عن الواقع الإسلامي الأفريقي، و من هنا وقع الاختيار على هذه الدول.
ومن الطبيعي عندما نناقش شؤون الدائرة الحضارية الإسلامية الإفريقية من منطلق سياسي أن ننطلق منها كوحدة جغرافية
[م. تفسير]: في مناهجكم المعتمدة -وبالتحديد
المنهج النسقي-، ورد فيه ما نصّه: "تغدوا المسألة الدينية مطلبا سياسيا،
وبعدا استراتيجيا، في ظل التنافس على السلطة بتوظيف الخطاب الديني للوصول إلى
السلطة". هل ترون أن ذلك حاضر في القارة السمراء؟
[د. هارون باه]: نعم، خصوصا في الدول
التي اخترتها، أعتقد أن الدين في جانب من جوانبه يغدوا همّا سياسيا في البحث عن
الشرعية لا يمكن تجاوزه، ولعلكم تذكرون أن من أسباب الانقلاب في السودان عام 89 هو
سعي الحركة الانفصالية في الجنوب لإزاحة الشريعة من الحكم، وبالتالي من بين
الأسباب التي دفعت البشير وجماعته إلى المضي في الانقلاب هو الحفاظ على الهوية
الدينية للبلاد، وفي المغرب تتأسس الإمارة على تأويلات دينية، وفي السنغال مباركات
مشايخ الطرق الصوفية مطلوبة ومرغوب فيها، وفي نيجيريا بعد حرب "بيافرا"
أصبحت المسألة الدينية جزءا من الخطاب السياسي، هذا على المستوى الجهوي الإقليمي،
أما على المستوى الدولي فالإسلام يشكّل حاجزا للغرب في علاقته بالعالم الإسلامي منذ
انتهاء القطبية الثنائية وسقوط المعسكر الشيوعي، وفي اعتقادي، سيتعزز مطلب الخطاب الديني في الشأن السياسي إفريقيًّا في المستقبل
سواء من جهة السلطة أو من جهة المعارضة، ويبقى أن الدين حاضر في تدبير الشأن العام
بشكل من الأشكال حسب طبيعة الدولة و مرجعيتها الدستورية.
[م. تفسير]: ما هي توصيتكم للمثقف الأفريقي
باللسان العربي؟
[د. هارون باه]: من خلال اشتغالي على
أطروحة "الدين والدولة في أفريقيا"، تأكّد لي أن لدينا تراثا إسلاميا
معتبرا جدا ـ على مستوى أقطارنا ـ تراث غني
وثري، ينبغي الاعتناء به، وأعتقد أن الاعتناء به قد يضيء لنا بعض الجوانب من
حياتنا الاجتماعية، وأرى أن يحاول المستعرب الأفريقي الانفتاح على التخصصات الأخرى
(الاجتماعية، السياسية، القانونية...)، لأن عصرنا يقتضي منا ذلك.
في اعتقادي، سيتعزز مطلب الخطاب الديني في الشأن السياسي إفريقيًّا في المستقبل سواء من جهة السلطة أو من جهة المعارضة، ويبقى أن الدين حاضر في تدبير الشأن العام بشكل من الأشكال حسب طبيعة الدولة و مرجعيتها الدستورية.
[م. تفسير]: ما هي انطباعاتكم حول موقع "مجمع
الأفارقة"؟
[د. هارون باه]: "مجمع
الأفارقة" مبادرة شبابية، لا يسع المرء إلا ينوّه بها ويشيد بها. و من منبركم أدعوا
الشباب الباحثين أن يحذو حذوكم، على سبيل الدفع إلى الأمام إسنادا للبحث العلمي، مما
سيمكننا من الاطلاع على حقيقة القارة وما تعيشه، ولا شك أن ذلك سيمدنا بتصور سليم
لبناء مستقبل زاهر على أساس رصين. و الله أسأل أن يبارك في مبادرتكم وأن يحفظكم
ويمدّكم بالقوة والصحة والعافية.
أجريت المقابلة بتاريخ 27 سبتمبر 2014 بمدينة العرفان/ الرباط.
حاوره: محمد تفسير بالدي، لمجمع الأفارقة.