بسم الله الرحمن الرحيم
إن التغيّرات التي شهدتها غينيا كوناكري
منذ حصولها على الاستقلال عام 1958م، وما تعاقب عليها من تظاهرات واحتجاجات
متتالية خلال الأعوام الموالية، لم تطرأ سدى، ولم تنفجر بمجرد إرادة الشعب، وإنما
كان وراءها حركات وهيئات وطنية لعبت دورا أساسيا في تحريك عجلة الديمقراطية بالبلاد.
نبذة
عن غينيا كوناكري:
غينيا منطقة تقع في ساحل غرب إفريقيا،
وتبلغ مساحتها 245, 860 كيلو
مترا مربعا، ويبلغ عدد سكانها -حسب تقديرات 2012- إلى11,45 [1] مليون نسمة. وتقطنه عرقيات متعددة تصل حوالي 18 عرقا، وغالبية أهل غينيا يدينون
بالإسلام الذي يصل إلى 93,5%[2]، ونظام الحكم جمهوري رئاسي علماني (وفقا للدستور).
واللغة الرسمية للبلاد هي الفرنسية، ويجيد أغلبهم اللغات الثلاثة الأكثر انتشارا
في المجتمع، وهي: الفلانية، والماندنكية، والسوسوية. وشعارها: العمل- العدالة-
التضامن، وهي مستعمرة فرنسية منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي إلى حين
استقلالها بتاريخ 2 أكتوبر 1958.
وقد تعاقب على رئاسة البلاد خمسة رؤساء، وهم: أحمد
سيكو توري، والجينرال لنسانا كونتي، وموسى داديس كمارى، وسيكوبا كوناتي، والرئيس الحالي ألفا كوندي.
وغينيا من أقل بلاد العالم تنمية، ومع ذلك لديها
العديد من الموارد الطبيعية التي يمكن أن تحوّلها إلى دولة ثرية، لأن فيها ثلث
مخزون العالم من البوكسيت[3]،
ومعادن أخرى مهمّة كخام الحديد، والماس، والذهب، واليورانيوم..
ولقد أساءت أغلب الأنظمة السابقة تدبيرها السياسي،
فنهجت سياسة التقشف، وإعمال القوة، والديكتاتورية..
ففي عهد الزعيم أحمد سيكو توري، تضاعفت الاعتقالات
السياسية، وتعذيب المعارضين، وسجن المثقّفين مما أدّى إلى فرار الكثير منهم إلى الخارج..
وبعدما استولت قوات الجيش على الحكم عام 1984م برئاسة لنسانا كونتي، عمدت إلى
استرجاع الحرية، ومراعاة حقوق الإنسان، فتمّ إطلاق المئات من السجناء السياسيين، وأصبحت
الدولة تسمى بـ"جمهورية غينيا"، عوض "الجمهورية الغينية الثورية
الشعبية" التي أطلقت عليها في عهد الرئيس السابق أحمد سيكو توري.
وفي عام 1988، ارتفعت أسعار السلع ارتفاعا حادّا،
نتجت عنها فوضى في البلاد، و تحرّك الشعب ضدّ القرار الحكومي، فاتخذت حكومة
"كونتي" القوة وسيلة لتثبيت الأسعار والإبقاء عليها.
وبعده بعام، اتهمت الحكومة الغينية من طرف المنظمة
الدولية لحقوق الإنسان بالتعسف في الاعتقالات، وسجن النساء، وتعذيب المعارضين بصورة
جماعية[4]..
وفي عهد الرئيس موسى داديس كمارى، شهدت غينيا
مظاهرات عنيفة طالبت برحيل المجلس العسكري الحاكم (2009)، وقتل خلالها المئات من المتظاهرين،
فيما تم الاعتداء على النساء جنسيا..
ومنذ قيام النظام الديمقراطي السائد (2010) برئاسة البروفوسور ألفا كوندي،
فإن الواقع الغيني السياسي والاجتماعي يعيش توترا حادا، وسوء تفاهم بين النظام
والمعارضة..
ولإخراج الشعب الغيني من ويلات
الديكتاتورية، وسوء التدبير، وإعطاء الشعب حق التصويت، والمشاركة في صنع القرارت...
عمد "المجلس الوطني لهيئات المجتمع المدني الغيني-Conseil National des Organisations de la Société Civile
Guinéenne" إلى ضمّ كافة الهيئات
المحلية الساهرة على حقوق المواطن في صف واحد تحت قيادته.
المجلس
الوطني لهيئات المجتمع المدني الغيني: خصائصه ومبادئه
يمتاز المجلس الوطني لهيئات المجتمع
المدني الغيني بمجموعة من الخصائص التي تجعله عنصرا فعّالا في ترسيخ قيم المواطنة
بغينيا كوناكري، وتتلخص في المحاور التالية:
1) الاستقلالية، والتكامل، والشفافية.
2) الحياد المطلق في الأمور السياسية.
3) التنمية والدفاع عن الحقوق.
4) الديمقراطية.
5) التعهّد والمسؤولية المتبادلة.
6) التنوّع في التكامل.
7) الانفتاح والتبادل.
8) وهناك خاصية أخرى هي الأهم من كل الخصائص
التي سطّرها المجلس في ورقته التعريفية، وهي محاولته ضمّ مجموعة من المنظمات
والهيئات ذات الأهداف المتماثلة تحت قيادته، والتي يصل تعدادها إلى ثمانين 80 منظمة وطنية، وتتكوّن من
الهيئات الدينية، والفئات الاجتماعية، والأحزاب السياسية، والمؤسسات الجمهورية،
والإدارات العامة والخاصة..
وينطلق المجلس من مبادئ يمكن حصرها فيما يلي:
-
احترام وتنمية حقوق الإنسان، والسعي
لإقامة العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
-
تشجيع المساواة والعدل بين
الناس عن طريق تنمية حقوق المرأة والشبيبة.
-
التركيز على تقوية الطاقات
الإنسانية في ظل الديمقراطية وإدماج المواطنين.
-
تطبيق الشفافية والمساءلة في
الحسابات.
-
إقامة الشراكات المنصفة
والتضامن.
-
الالتزام في التعلّم المتبادل.
وبالنظر إلى الواقع الغيني، ومحاولة تنزيل الخصائص
والمبادئ التي ينطلق منها المجلس الوطني لهيئات المجتمع المدني الغيني؛ يمكن القول
إن المجلس قد نجح -إلى حدّ ما- في تحقيق أهدافه وشقّ طريقه نحو الديمقراطية وإشراك
المواطن في صنع القرار، وغير ذلك من أوجه التنمية المستدامة التي يسعى من أجله، إذ
إن المجلس منذ تأسيسه إلى يومنا هذا، ظلّ مناضلا من أجل الديمقراطية والتنمية في
البلاد، وذلك في كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، نذكر منها:
1) المستوى السياسي: من أجل الاستقرار السياسي،
والسير على درب تحقيق مطالب الشعب وفقا لقوانين الدستور، حقّق "المجلس"
مجموعة من الأهداف التي مكّنت الشعب الغيني من تحريك عجلة الديمقراطية عن طريق:
-
تأسيس القوات الحيّة -Les Forces Vives- عام 2005 والتي ستلعب دورا فعّالا في
ترسيخ قيم المواطنة داخل البلاد؛ من قبيل إشراك
المواطن الغيني في العملية الانتخابية الحرّة التي تحظى بالقبول لدى الجميع..
-
كما أن المجلس شارك في توسيع
رقعة الاحتجاجات الوطنية بغينيا ما بين 2006 و2007 في مطالبة "الإصلاح في التعليم"،
"وحسن تدبير الشأن السياسي"..
-
كما أن المجلس كان المحرّك
الأساس في الحركة الاحتجاجية التي قامت ضد الحكم سنة 2007 والتي رفعت شعار
"التغيير"..
وكل ذلك بقيادة "الحركة الاجتماعية الغينية- Le mouvement Social Guinéen
التي
هي فرع من فروع "المجلس"، وهي المبادرة التي فرضت على النظام تشكيل
حكومة جديدة يرأسها الوزير الأول وفق اختيارات الشعب..
وبعد
انقلاب 2008 بقيادة المجلس العسكري وبرئاسة موسى داديس كمارى، تأكّدت إرادة الحزب
الحاكم (CNDD) في
السيطرة على الحكم ومخالفة وعده بتنظيم الانتخابات الرئاسية دون ترشّحه..
فقام المجلس الوطني لهيئات
المجتمع المدني الغيني بتحريك الاتحادات الوطنية، والباترونا، إلى جانب المعارضة
بتعبئة عامة عرفت بـ - La Mobilisation Générale تحت قيادة مؤتمر القوات الحيّة، Forum des Forces Vivesوهي التي أثمرت احتجاجات 28 سبتمبر 2009..
2) وعلى المستوى الاجتماعي،
تم تأسيس "الحركة الاجتماعية الغينية-Mouvement Social
Guinéen، والتي لعبت دورا مهما في
تحقيق الأهداف المتمثلة بـ:
-
تشكيل الحكومة الوحدة الوطنية Gouvernement d’union national
-
والمجلس الوطني الانتقالي
– Conseil National des transitions
-
وتشكيل اللجنة الانتخابية
الوطنية المستقلة –
Commission Electorale National
Indépendante (CENI) والتي ستتولى مراقبة عملية
الانتخابات الرئاسية والبلدية فيما بعد، بمشاركة المجتمع المدني في تسييره..
-
انخراط المجلس الوطني لهيئات
المجتمع المدني الغيني في مجال التربية الوطنية في توعية الشعب الغيني..
-
كما توجّه المجلس إلى محاربة
الفقر والبطالة ومساعدة الطبقة الهشة والمعوزة في المجتمع الغيني عن طريق مصلحة “تعبئة المواطنين” أو ما
يصطلح عليه بـ La mobilisation Citoyenne
3) وعلى المستوى الثقافي، أطلق المجلس الوطني لمنظمات
المجتمع المدني الغيني مبادرة تحت مسمى "الأولوية للشباب-Priorité Jeunesse والتي تهدف إلى توعية الشبيبة الغينية ومشاركتهم
في تحقيق تطلعاتهم المستقبلية..
ومنذ
إطلاق المبادرة تم تمويل المئات من المشاريع الشبابية داخل البلاد.
آفاق المجلس المستقبلية:
لبناء ديناميته الجديدة في
السنوات الخمس المقبلة، تعهّد المجلس الوطني لهيئات المجتمع المدني الغيني تنفيذ
مشاريع كبرى، تتلخص في أربعة محاور:
المحور
الأول: طرق التركيز على الأهداف الحالية للمجلس: وتتمثّل في كل من:
-
التوجّهات، والأهداف المشتركة
(بين الأعضاء/الهيئات)، والتنوّع في ظل الوحدة
-
محاولة استحضار دور المجتمع المدني الغيني في
الجانب السياسي والإداري...
المحور
الثاني: كيفية تجاوز التحديات في:
-
الاستقلالية التامّة
"للمجلس"، ومحاولة إبعاد كل عضو/موظّف ينتسب للدولة.
-
تأطير جيل قادر على توعية
الشباب والنساء.
المحور
الثالث: الوقوف أمام التحديات لمشاركة المجلس في أعمال كل من:
-
الهيئات الوطنية والإقليمية
ذات الأهداف المتماثلة
-
التمويل في التنمية المستدامة
-
الديمقراطية وحقوق الإنسان
-
تدبير الزراعة وحقوق المستهلكين
-
الحفاظ على البيئة..
المحور
الرابع: سبل إنعاش دولة جديدة بغينيا كوناكري يسودها:
-
الحقّ والقانون
-
حسن تدبير الموارد الطبيعية
للبلاد
-
إبراز دور المجتمع المدني في
تقييم السياسية الداخلية..
هي
ذي، أهم ما جاء في ديباجة المجلس الوطني لهيئات المجتمع المدني الغيني، ما يتعلّق
بآفاق المجلس المستقبلية.
وعموما، يمكن الاعتراف بعظم الجهود التي يبذلها
المجلس الوطني لهيئات المجتمع المدني الغيني في سبيل إقامة دولة يسودها القانون،
وحسن التدبير في الحكم، وإقامة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية داخل البلاد، وتحقيق
الأمن والسلام بمشاركة المواطن في التنمية المستدامة.
محمد تفسير بالدي
باحث في الدراسات الإسلامية والإفريقية.
[1] République de guinée. Guinea is back and ready for business,
Narratif d’Ensemble – Conférences des Partenaires et des Investisseurs privés
de la Guinée. octobre 2013. p8.
[2] التاريخ
الإسلامي/ التاريخ المعاصر/ غربي أفريقية، تأليف: محمود شاكر، المكتب الإسلامي،
الطبعة الثانية: 1417هـ - 1997م، ص: 110.