A propos

jeudi 27 mars 2014

واقع اللغة العربية في غرب افريقيا

يحتضن معهد الدراسات الإفريقية بالرباط في أبريل المقبل يوما دراسيا حول "اللغة العربية في غرب إفريقيا بين الواقع والأمل". اليوم الدراسي الذي تنظمه رابطة الطلبة الغينيين الدارسين بالعربية في المغرب؛ بمشاركة ممثلين من دول غرب إفريقيا إلى جانب الباحثين المغاربة المهتمين بالتراث الإفريقي لمناقشة مجموعة من المحاور التي تخص اللغة العربية في غرب إفريقيا، من بينها:
-       واقع تعليم العربية بمدارس الغرب الإفريقي في ظل الازدواجية اللغوية
-       تأثير العربية على اللغات الإفريقية  
-       جهود بعض الجمعيات الدينية في نشر اللغة العربية بغرب إفريقيا
-       إسهام علماء غرب إفريقيا في خدمة اللغة العربية  
-       تأثيرات الاستعمار الغربي على اللغة العربية في غرب إفريقيا... 

وينطلق الملتقى من أن اللغة العربية تمتعت بمكانة متميزة على الخريطة اللغوية لإفريقيا قبل أن تشهد تراجعا ملحوظا بعد قدوم الاستعمار الأوروبي وما صاحبه من فرض لغة المستعمر ومحاربته لنفوذ العربية وتفوقها وانتشارها على الساحة الإفريقية، وهو ما يحتاج إلى رصد وضعها الحالي من أجل الخروج بمقترحات منهجية لتجديد اللغة العربية في غرب إفريقا وتطويرها.
وفي هذا السياق، طرحت جريدة "التجديد" المغربية 
ملفا مكتملا لإلقاء نظرة حول واقع اللغة العربية في دول غرب إفريقيا وأهم تحدياتها، فساهمنا في ذلك بما تيسّر لنا من إيضاحات حول الموضوع نريد أن نشاركه القارئ العزيز فيما يلي:

امتداد العربية في إفريقيا:
منذ وقت طويل وقبل دخول أي لغة أوروبية إلى القارة السمراء، استقرت العربية في غالبية أنحاء القارة الإفريقية، وشهدت خلال تاريخها فترات من الازدهار والتطور العلمي. وقد كان الإسلام صاحب الدور الأبرز في ذلك، حيث سارت العربية مع الإسلام جنبا إلى جنب، وأدى ارتباطها بالدين إلى انتشار اللغة العربية في كل المناطق التي تضم جماعات مسلمة. هذا بالإضافة إلى الهجرات العربية لإفريقيا والمبادلات التجارية والعلمية التي ساهمت في ذلك بشكل واضح. ولم يقتصر الأمر على التعليم أو أداء العبادات، بل عن الكثير من القبائل الإفريقية التي تكثر فيها اللهجات كانت تتخذ من العربية لغة التواصل المشترك بينها، وتعد الأمر إلى استخدامها كلغة للإدارة والحكم في كثير من الدول الإفريقية، فوضعت بها المراسيم وصيغت بها القوانين وصارت لغة المراسلات والمكاتبات الحكومية...
   إلا أنه بمجيء الاستعمار الذي وطن لنفسه بالدول الإفريقية، شهدت العربية تراجعا ملحوظا لصالح لغات المستعمر ومحاربته للنفوذ الإسلامي واللغة العربية على الساحة الإفريقية، فتوقف الامتداد الكبير الذي حققه اللغة العربية خلال عصور التفوق الحضاري الإسلامي، وبدء انحصار وتراجع اللغة العربية أمام تقدم اللغات الأوربية.
ورغم ذلك كله، تشير المصادر التي تتحدث عن وضع العربية في هذه المناطق، أن حضور العربية في القارة الإفريقية جنوب الصحراء لا يزال واضحا وإن بمستويات متفاوتة"، فما تزال العربية تحظى باهتمام بلدان غرب إفريقيا وخاصة في السنغال ومالي والنيجر وغامبيا... أما في وسط إفريقيا فباستثناء تشاد وشمال والكاميرون، لا يكاد يحصى للعربية أثر مقدر في بقية بلدان وسط القارة. 

ترسيم اللغة العربية
تبنت غالبية الدول الإفريقية وخاصة جنوب الصحراء، اللغات الأوروبية كلغات رسمية لها، حيث نجد أن هناك 43 دولة من بين 53 دولة إفريقية تستخدم اللغات الأوروربية كلغات رسمية. وذكرت بعض الدراسات حول الوضع الإفريقي أن الدول التي اختارت اللغة العربية لغة رسمية لها لم تقتصر على دول شمال إفريقيا الناطقة بالعربية فحسب؛ بل تعدتها لتضم أربع دول إفريقية أخرى اختارت اللغة العربية لغة رسمية لها إلى جانب لغات أخرى وهي تشاد، وجزر القمر، وجيبوتي والتي تبنت العربية كلغة رسمية إلى جانب اللغة الصومالية، وعامبيا مؤخرا.
وحسب الدراسة، فإن اعتماد العربية لغة رسمية في هذه الدول يشير إلى تحسن وضع العربية واستعادتها بعض ما فقدته خلال فترة تلك الدول، والتي تم فيها تحريم استخدام اللغة العربية سواء في شؤون الإدارة أو التعليم أو الإعلام أو غيرها، وخاصة في ظل الاستعمار الفرنسي وسياسة الاستيعاب التي اتبعها في مستعمراته، والتي منع بموجبها استخدام أي لغة غير الفرنسية، محلية كانت أو دولية (كالعربية)، وفي أي مجال كان، سواء في الإدارة أو التعليم أو الإعلام أو التجارة أو القضاء أو المحاكم.

العربية في غرب إفريقيا تحظى باحترام كبير رغم التحديات ( محطة الحوار)
التجديد: تنظمون في رابطة الغينيين الدارسين بالعربية يوما دراسيا حول اللغة العربية في غرب إفريقيا،. في أي إطار يأتي هذا اليوم؟
محمد تفسير: جاءت فكرة هذا الملتقى الذي يقام بعنوان: "اللغة العربية في غرب إفريقيا بين الواقع والأمل" في   أبريل المقبل؛ بعدما لاحظنا وضع هذه اللغة في منطقة جنوب الصحراء، حيث كانت لغة معتبرة ويتم عن طريقها التبادل والتواصل بين جميع الشعوب والقبائل، فتشرفت بها الشعوب حتى القرن العشرين لما جاء المستعمر ورأى نفوذها وانتشارها بين الشعوب على أن ذلك يشكل بالنسبة إليهم خطرا كمستعمرين، فحاول فرض لغته حتى أصبحت العربية الآن غريبة للشعب الإفريقي وخصوصا منطقة جنوب الصحراء. ويوما بعد يوم، هناك محاربة لهذه اللغة، وقد فكّرنا في السبل التي يمكن من خلالها النهوض باللغة العربية في غرب إفريقيا ورسمنا في الرابطة برنامجا لهذا الملتقى ووضعنا محاوره التي تلامس كل دولة من دولنا.
وما يميز هذا اليوم، هو أنه لا يشارك فيه أبناء القارة فحسب، بل حتى المغاربة من المهتمين بالثقافة الإفريقية. ونحن ندعوا كل الغيورين إلى المساندة والتعاون معنا باعتبار أن العربية في خطر في غرب إفريقيا، وعلينا تقديم ما نستطيع من أجل الحفاظ عليها وتقوية حضورها. ولا ندافع عنها باعتبارها لغة قومية، بل باعتبارها جزءا من الثقافة الإسلامية.

التجديد: ما هي أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية في تلك البلدان؟
تفسير: في غرب إفريقيا كما قلت، كانت العربية هي المهيمنة إلى وقت ليس ببعيد، وكانت اللغة المشتركة التي يتواصل بها أبناء المنطقة باعتبار أن إفريقيا تتميز بثقافات متعددة ولغات كثيرة، فكل شعب له لغته ولهجته فتجد أن هذا لا يفهم لغة الآخر، لكن العربية منذ أن دخل الإسلام إلى هذه المنطقة أصبحت هي لغة التواصل والتجارة والإدارة وكل شيئ. فأهم تحد يواجه هذه اللغة، هو تراجع مكانتها، حيث أن اللغة المتداولة اليوم هي لغة المستعمر وأصبحت العربية محدودة الاستعمال ، فالمعاهد والجامعات والمؤسسات التعليمية الموجودة في غرب إفريقيا الخاصة بالعربية محدودة. فلا بد من أبناء القارة الدارسين بالعربية القيام بمحاولة إرجاء مكانتها، فلا بد لنا من الوعي بخطر هذا التراجع.
ومع ذلك يمكنني القول بأن المجتمع في غرب إفريقيا لا زال يقدس العربية، وإذا تحدثت بها في أي دولة، فإنك لا تلاقي إلا الاحترام، ولا تزال بعض القرى تقدم الخطب باللغة العربية تقديسا لها، فهم لا يتجرؤون على إلقاء الخطبة كاملة باللغات المحلية، ربما هناك تشدد ما في المذهب المالكي على أن الخطبة يجب أن تكون بالعربية، وبالتالي العربية لها مكانتها.عند هؤلاء.

التجديد: ماذا تعني لكم العربية اليوم، خاصة وأن هذه البلدان قطعت أشواطا في لغات المستعمر، إضافة إلى أن لغاتكم الأصل ليست العربية، بل جاءت مع المد الإسلامي؟
تفسير: أنا شخصيا من مطوري اللغات الإفريقية ولي إلمام كبير بها وأعي أهمية ذلك، ولكن هذا لا يمنع من الاعتناء بالعربية، فالعربية لا نأخذ بها على أنها لغة قومية، بل هي جزء من الثقافة الإسلامية، ومن أراد امتلاك معرفة وثقافة إسلامية فلا بد له من العربية، ناهيك عن مسألة التعبد والقرآن وغير ذلك. ومن جانب آخر، إذا ربطنا الأمر بالتقدم والتنمية فهي مدخل كبير لذلك في بلداننا، فكثير من المجالات اليومية والوظائف الحكومية في الدولة لا بد فيها من دارسي العربية للقيام بمهماتهم سواء في السياحة أو التجارة أو الشؤون الإسلامية والعلاقات الخارجية إلى غير ذلك.

لماذا العربية؟
لا ينبع حب العربية عند الأفارقة من الارتباط الروحي باعتبارها لغة الإسلام فحسب، بل إن للمسألة أهدافا أخرى أجملها في: 
1 ـ الغرض الديني: 
من دوافع تعلم اللغة العربية عند المسلم بصفة عامة، هو الغرض الديني باعتبارها لغة القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف. وبالتالي فالإلمام بها ضروري للمساعدة على فهم الدين فهما لا تشويه فيه؛ لذلك يتعلمها المسلم في سن مبكر.

2 ـ الاتصال الخارجي: 
وذلك بحكم أن واقع الأمور في العالم الحاضر، يجعل من الضروري على كل دولة مستقلة أن تؤسس العلاقات الثنائية بينها وبين البلدان الأخرى لأسباب سياسية، واقتصادية، وثقافية، وتكنولوجية، ومن أقرب الدول للدول الإفريقية هي البلدان العربية. 

3 ـ الثقافة الإفريقية:
إن دراسة اللغة العربية للمسلم الإفريقي تساعد بالفعل على معرفة الوثائق التاريخية والمصادر الأساسية لتاريخ أفريقيا المكتوب باللغة العربية، وقد أثبت المؤرخون أن كتابة تاريخ إفريقيا بصورة كاملة وصحيحة، لا تتم إلا بالرجوع إلى ما سجله علماء اللغة العربية عن إفريقيا.

4 ـ فرص العمل:
إن تعلم اللغة العربية يوفر الاشتغال في مجموعة من المجالات السياحية والثقافية والدينية والتعليمية بما يساهم في تنمية البلدان الإفريقية.
وهناك أهداف إضافية أخرى كالدعوة الإسلامية، ونقل أدب الأمم الأخرى إلى اللغة العربية والعكس.