A propos

samedi 8 février 2014

عن الأدب العربي الإفريقي


تمهيد
ارتبطت اللغة العربية بالدين الإسلامي ارتباطا وثيقا، وانتشرت تحت ظله حيثما حل وارتحل، فكان الإسلام للعربية كالمظلة للماشي تحت المطر، تحميها من كل غادرة ودمار حتى قيل سابقا: "حيثما وجد الإسلام فثمت اللغة العربية".
ومنذ بزوغ فجر الإسلام في القارة السمراء، أقبل الأفارقة على نهل اللغة العربية، والتشرّب بالثقافة العربية الإسلامية رغبة في التضلع والتعمق في دينهم الحنيف، فأقاموا إمبراطوريات إسلامية وأنشئوا جامعات عريقة. ولم يكتفي فقهائهم بالأخذ والورد فحسب، بل شاركوا في الإنتاجات العلمية بجميع تخصصاتها، وتركوا للأمة الإفريقية تراثا ثمينا يسر العدو قبل الصديق، وبنوا حضارات راقية سطرها التاريخ في ذاكرة الذهب، فمرت العربية في طورها التاريخي في القارة السمراء بمراحل عريقة، ونالت مرتبة حنيفة، تعدت كونها لغة العبادة والإرشاد والوعظ، إلى لغة الحكم والتجارة والدبلوماسية...

إن من أبرز سمات التطور والتحضر لدى الأمم هو ما يعرف بالموروث الأدبي، ذلك الأدب المعبّر عن خلخل داخل العقل والنفس من فكر ولواعج... ويدل على ما هو عليه المجتمع من قدرات علمية وأدبية وإنسانية، ذلك لأن الأدب مقياس حقيقي لحضارة المجتمع.
ويعد الشعر من أكبر وسائل التعبير الإنساني في التاريخ، فقد كان للشعراء في فيما مضى مكانة عظيمة، ولإنتاجاتهم الشعرية فضل كبير في الحفاظ على اللغة ألفاظا واستعمالا، ولا يخفى علينا أهمية الشعر في حياة أجدادنا، ودوره في تثبيت وقائعنا، ومما لا يختلف فيه اثنان أن" الشعر العربي في إفريقيا هو أحد مظاهر الثقافة العربية الإسلامية في هذه القارة، كما أن حيويته فيها هي إحدى مظاهر حيوية اللغة العربي"، فحبّ العربية والرغبة في معرفة الأمور الدينية المرتبطة بها، هي مما جعل الأفارقة يقبلون على قرض الشعر العربي بالنسق المعهود، فقد تطورت العربية في غرب إفريقيا تحت حماية الدين.

ومما يأسف له، أن الشعر العربي الإفريقي لم تحظى بما تستحقه من اهتمام النقاد والدارسين، وإن تعجب فعجب من إعراض أبنائه عنه، وانكبابهم على الأدب العربي أو الأدب الغربي كل حسب ميولايته.
ولا ندعوا إلى التعصب للأدب الإفريقي، بقدر ما نحض أنباء القارة على الاهتمام بآدابهم، ودراستها دراسة علمية منهجية، حتى يتمكّن للآخرين الاطلاع على تلكم الكنوز المخبأة التي كاد الدهر أن يتلفه، ولم يبقى منه إلا شذرات نادرة. فإن من التجديد إحياء القديم، وإلباسه ثوب الجديد ليبدو في حلة بهية ذهبية.

ومن هذا المنطلق نتساءل: لماذا الإعراض عن الأدب العربي الإفريقي؟ هل الإشكال عائد إلى طبيعة الأدب؟ أم أنه الجهل بوجود أدب عربي إفريقي؟ أم أن ذلك التراث العربي الإفريقي لم يبلغ درجة النضج الأدبي حتى يصنّف ضمن الأدب العربي المدروس؟ للإجابة على الإشكال نقول:

لقد أنتج أدباء الأفارقة من التراث الأدبي العربي بكل أغراضه، إلا أن الغالبية من إنتاجاتهم في هذا المجال لا تعدوا أن تكون من قبيل الشعر الديني ذي الطابع الصوفي، ويغطي مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر مساحة في هذا اللون (...)، ويندر –بالمقابل- وجود الشعر الوجداني الصرف، خاصة الشعر العاطفي الذي يعبّر من خلاله الشاعر عن لوعة الحبّ (...)[1]. وقد يلاحظ في هذا المجال أن الأدب العربي الإفريقي مهما توغل في التجديد يظل مرتبطا ببعض المظاهر الفنية في تراث الأدب العربي القديم. "فالشعر العربي الذي كتبه أفارقة يعد شعراً غزيراً جيداً، جديراً بالعناية والاهتمام، جمعا ًوتحقيقاً، ونشراً ودراسةً، وقد تنالوا جميع أغراض الشعر العربي المعروفة، من مدح، وفخر، ورثاء، وغزل، ووصف، إضافة إلى إنتاجاتهم في الأغراض الاجتماعية والوطنية والموضوعات التعليمية، إلا أنهم برعوا أيما براعة في الشعر الصوفي خاصة، والشعر الديني عامة، فجاءت قصائدهم في مدح النبي عليه الصلاة والسلام، والتشوق إلى زيارة الحرمين الشريفين، والوعظ والإرشاد، والحكمة والاعتبار [2]...

ومما يذكر للحركة العلمية في أقدم الممالك الإفريقية أن علماءهم "أجادوا اللغة العربية وتذوّقوا سحرها وبلاغتها واتخذوها أداة للتعبير عما يعتريهم من خلجات نفسية، ثم خلفوا الشعر والنثر اللذين أسهموا في أغراضهما المختلفة، إلا أن هذه الجهود لم تكن هي الغاية بل كانت وسيلة لفهم دينهم لا غير، ولذلك كان أكثرهم علماء وفقهاء في الدرجة الأولى كما يظهر في إبداعاتهم العربية[3]. وكان لعلماء المنطقة مساهمات فعالة في حركة .من أشهر المؤلفين في عهد سنغاي الشيخ أحمد بابا الذي اشتهر داخل المنطقة وخارجها بدروسه ومؤلفاته، وبلغت حركة التأليف ذروتها في عهد الخلافة العثمانية في صوكتو. وفي عهد حركة الحاج الفوتي في غينيا والسنغال ومالي، وبخاصة في فترة اختلافه مع الشيخ أحمد لبو في ماسنا حيث تبادلا رسائل عدة يحاول كل منهما أن يقنع الآخر بفكرته، وتعكس هذه الرسائل متى تمكنهما من زمام اللغة العربية. وقد جمعت تلك الرسائل في كتاب بعنوان: "ما وقع"، وكذلك الرسائل المتبادلة بين أحمد لبو وأمير المؤمنين في صوكتو في عهده الشيخ أبو بكر العتيق بن عثمان بن فودي، (...)، ولعلماء البرنو مساهمة مماثلة في هذا المجال وبخاصة الشيخ أحمد فرتو، وهذه المساهمة تمثل مدى انتشار اللغة العربية والثقافة الإسلامية في منطقة غرب أفريقيا قبل الاستعمار[4].


انطلاقا مما سبق ذكره، يمكن تصنيف الشعر العربي الإفريقي على أنه شعر ديني وجداني كتب في جميع الأغراض الشعرية، من مدح، ورثاء، وغزل ووصف، وفي هذا الجانب لا يختلف الشعر العربي الإفريقي بالشعر العربي المعروف في طبيعته. وأما موضوعات الشعر العربي الإفريقي، فقد انحصرت في معالجة المواضيع الاجتماعية،  والقضايا الوطنية من إصلاحات وما إلى ذلك، فيما ركزت بعضها على المناهج التعليمية، ويعتبر الشيخ عبد الله بن فودي من أكبر من ألف في هذا المجال، إذ اتسمت بعض مؤلفاته التعليمية بالمنظومات الشعرية.

ولئن أكدنا في مستهلّ عرضنا بغياب الأدب العربي الإفريقي في المجال التداول العربي، لا يسعنا في ختام الورقة إلا بذكر المجهودات المعاصرة التي حاولت إدراج جزء كبير من الأدب العربي الإفريقي ضمن الموسوعات الأدبية المعاصرة، منها:
موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين: نشرت في ثمانية أجزاء، ومعجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، ورد فيهما العديد من أدباء إفريقيا باللسان العربي، بمساهمة مجموعة من الباحثين من أبناء القارة.


وللتوسّع في الموضوع، ينظر:
1.    الشعر العربي في الغرب الإفريقي خلال القرن العشرين، للدكتور كبا عمران، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ، .2011
2.    الأدب العربي الإفريقي بين الأصالة الإسلامية والمتعة الفنية، للدكتور يوسو منكيلا، مجلة قراءات إفريقية، العدد الثامن.
3. المؤلفـــات العربيــة الكــانمية البــرنوية  بيـن الأدب والتاريــخ، آدم أديبايو سراج الدين، جامعة ولاية كوغي( نيجيريا)


  





 [1]  الشاعر والأديب الغيني الحاج مختار الكبير، لمحمد الأمين جابي، حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر
[2]   "ديوان الشعر العربي في إفريقيا"، للدكتور عبد اللطيف عبيد، المعهد العالي للغات، تونس.
[3]  المؤلفـــات العربيــة الكــانمية البــرنوية  بيـن الأدب والتاريــخ، آدم أديبايو سراج الدين، جامعة ولاية كوغي (نيجيري)
[4] الثقافة الإسلامية في غرب إفريقيا وآثار الاستعمار الفرنسي فيها "النيجر نموذجا"، علي يعقوب جالو.

5 commentaires:

  1. مقالة رائعة، شكرا لك لإثارة القضايا المهمة

    RépondreSupprimer
  2. والشكر موصول إليكم لمروركم الكرام، ثم لإهتمامكم على الموضوع. فكما تفضّلتم، إن هي إلا محاولة لإستنهاض الهمم.
    وإلى الأمام في خدمة التراث.

    RépondreSupprimer
  3. مقالة شائقة ممتعة ، لا شالت يدا الكاتب ، ونستزيد من قلمه السيال الفياض الباحث ............تيحياتي

    RépondreSupprimer
  4. شكر لك على التشجيع أخي يوسف، فلا شك أنك الأولى بهذه المبادرة بحكمك خبير الأدب الإفريقي...

    RépondreSupprimer